تتحقق العدالة الإنسانية في كنف الدولة المدنية، المؤمنة بسلطة القانون. التفاوت الطبقي الذي تعاني منه الكثير من البلدان التي تحكمها البدائيات على وجه هذه البسيطة، مردها لغياب الدولة المرجوة ونماء العصبيات الضيقة وبروز الكيانات الهشة غير الآبهة بالحكم المؤسسي، فتُحكم الشعوب وفق ثقافة وتطلعات أشخاص وجماعات، ليس بالضرورة إن تكون عادلة أو تقبل بمفهوم المشاركة الجماعية في إدارة أمورها.
حمل الفلاسفة والمفكرون منذ عصر افلاطون إلئ عهد هيجل وماركس، على عاتقهم مسؤولية تحرير الإنسان من أخيه الإنسان، وتخليصه من سطوة قيود العبودية الملتفة حول عنقه، المتمثلة في صور وألوان مختلفة، بدءا بالاستعباد التقليدي البشع، مرورا بتجارة البشر، ووصولا للعبودية المقنعة التي يشهدها عصرنا الحاضر المرتكزة على الاستعمار والهيمنة الاقتصادية.
ما زالت العبودية قائمة إلى وقتنا الحاضر ولو تسترت بثوب أرجواني، بازدهار التبعية الاقتصادية، واضطهاد الطبقة العاملة وسلبها للكثير من حقوقها المشروعة، وهيمنة أقلية سكانية على معظم الموارد المتاحة، بل وسيطرة هذه الأقلية المترفهة على السلطة وصناعة القرار في العديد من البلدان منها بلدان تعد نموذجا للديمقراطيات. لقد قادت الرأسمالية المطلقة نحو تشكيل وعي وثقافة عالميين وفق مفهوم مغاير يخدم مصالحها وحسب.
رغم نجاح النظام الاقتصادي الرأسمالي إلى مستوى ما، لم يفشل الاقتصاد المخطط بالصورة التي تُدعى برغم ما حامت حوله من مزاعم وشكوك. خسرت الرأسمالية للكثير من مزاياها وعوامل قوتها، وكُشف أخيرا عن وجهها البشع بتحولها إلى أداة أضرت بشكل بالغ بالطبقة الفقيرة وربما المتوسطة التي قد تنحدر إلى مراتب دنيا في ظل نهم الطبقة الغنية واستحواذها علئ مقدرات الحياة، سيما مع التطور التقني ونماء الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يدعونا لنصرخ بأعلى صوت بفشل النظام الرأسمالي، وحاجة العالم اليوم لنظام اقتصادي جديد يجمع بين مزايا الاقتصادين الحر والمختلط.