الحرب على غزة كشفت ازدواجية المعايير التي يتعامل بها الغرب مع النزاعات المسلحة. فقد شهدنا خلال هذه الحرب صمتًا غريبًا من قبل الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة والدول الأوروبية، إزاء القصف الإسرائيلي المكثف على قطاع غزة، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 3700 فلسطيني، بينهم أكثر من 700 طفل. كما شهدنا تضاربًا في المواقف الغربية إزاء الحرب، حيث أدانت بعض الدول القصف الإسرائيلي، بينما دعمته دول أخرى.
هذا التناقض في المواقف الغربية يكشف عن ازدواجية المعايير التي يتعامل بها الغرب مع النزاعات المسلحة. فعندما يتعلق الأمر بالدول التي لا تحظى بدعم غربي، مثل سوريا وليبيا، فإن الغرب ينتقد بشدة أي استخدام للقوة العسكرية، ويفرض عقوبات على الدول التي تنتهك القانون الدولي الإنساني. أما عندما يتعلق الأمر بالدول التي تحظى بدعم غربي، مثل إسرائيل، فإن الغرب يغض الطرف عن الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي الإنساني، بل ويدعمها أحيانًا.
هذا التناقض في المواقف الغربية يؤثر على منظومة القيم العالمية. فعندما يُنظر إلى الغرب على أنه يتعامل بمعايير مزدوجة، فإن ذلك يقوض مصداقية القيم الإنسانية التي ينادي بها. كما أن ذلك قد يؤدي إلى تراجع الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، مما قد يؤدي إلى تفاقم الصراعات المسلحة في العالم.
هناك عدة أسباب لازدواجية المعايير الغربية في التعامل مع النزاعات المسلحة. أحد هذه الأسباب هو المصالح السياسية والاقتصادية الغربية. فالدول الغربية لديها مصالح سياسية واقتصادية في الشرق الأوسط، ولا تريد أن تضر هذه المصالح بالعلاقات مع إسرائيل. كما أن الدول الغربية تعتمد على إسرائيل في مكافحة الإرهاب، ولا تريد أن تضر هذه العلاقة بالضغط عليها بشأن انتهاكاتها لحقوق الإنسان.
سبب آخر لازدواجية المعايير الغربية هو الرؤية الغربية للعالم. فالدول الغربية تنظر إلى نفسها على أنها الدول الديمقراطية والمتقدمة، وتنظر إلى الدول الأخرى على أنها متخلفة وغير ديمقراطية. هذه النظرة تؤدي إلى التمييز بين الدول الغربية وغير الغربية، وتجعل الدول الغربية أكثر تسامحًا مع الانتهاكات التي ترتكبها الدول التي تعتبرها حلفاء لها.
لا يمكن حل مشكلة ازدواجية المعايير الغربية في التعامل مع النزاعات المسلحة إلا من خلال تغيير المواقف الغربية تجاه هذه المشكلة. هذا يتطلب من الدول الغربية أن تلتزم بمبادئ المساواة والعدالة في التعامل مع جميع النزاعات المسلحة، بغض النظر عن هوية الأطراف المتحاربة. كما يتطلب من الدول الغربية أن تدعم سيادة القانون الدولي الإنساني، وأن تحاسب الدول التي تنتهكه.