بعد أن تجاوزت إسرائيل بوحشيتها وعنصريتها وجرائمها البشعة بحق الشعب الفلسطيني؛ وتفوقت بكثير وفوق الوصف والتوصيف؛ ما كان قد مارسه نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا ضد السكان الأصليين للبلاد من قبل الأقلية البيضاء؛ وهو ما جعل الرأي العام العالمي حينها يتحرك وبقوة وفي كل القارات؛ مندداً ومستنكراً ومديناً لكل تلك الجرائم؛ وكان ذلك تعبيراً عن حضور الضمير الحي للشعوب حول العالم.
ولقد كان لذلك التحرك والتضامن الواسع والمنظم أثره البالغ على صناع القرار في مختلف البلدان؛ مما أوصل الأمر إلى أعلى هيئة أممية والمتمثلة بالجمعية العامة للأمم المتحدة؛ والتي أتخذت وبأغلبية ساحقة وغير مسبوقة؛ قرارها الشهير الذي بموجبه تم تعليق عضوية جنوب إفريقيا في نوفمبر عام ١٩٧٤م ولم يرفع بشكل نهائي إلا عام ١٩٩٣م بعد خروج الزعيم التاريخي نيلسون مانديلا من السجن وترأسه للدولة بعد أول إنتخابات حرة وعادلة وبعيدة عن أرث نظام الفصل العنصري المقيت عام ٩٤م
واليوم ونحن نعيش في العقد الثالث من القرن العشرين؛ وفي ظل ثورة الإتصالات ونقل الخبر والمعلومات عبر الصوت والصورة؛ ووصولها مباشرة إلى المشاهد عبر الهواء وإلى كل إتجاهات الكرة الأرضية الأربعة؛ فإن المشهد العالمي رغم كل الذي نراه من تضامن واسع مع غزة؛ ورغم كل الغضب الذي يسود تلك التحركات الشعبية؛ إلا أن كل ذلك مع الأسف لا يقابله تجاوب حقيقي من قبل صناع القرار في الكثير من بلدان العالم؛ بل أن دول أوربية كثيرة وفي مقدمتها أمريكا؛ وقفت وبوقاحة وبمبررات زائفة ومفضوحة إلى جانب كيان العصابات الصهيونية ومدته بكل أسلحة الموت والإبادة وصارت شريكاً فعلياً معه.
لقد حان الوقت للضمير الإنساني العالمي؛ ولكل قواه المحبة للعدل والسلام والحرية؛ أن تقف صفاً واحداً في مواجهة السلوك الإجرامي لهذا الكيان؛ الذي تمرد على الشرعية الدولية وتحدى كل قراراتها ومناشداتها؛ بل وأعتدى حتى على هيئاتها العاملة وقتل موظفيها الأممين في قطاع غزة؛ ولن يكون ذلك مثمرا وكخطوة ضرورية إلا عبر تعليق عضويتها في الأمم المتحدة على أقل تقدير؛ ففي ذلك يكمن الرد المناسب في هذه المرحلة؛ وبغير ذلك سيستمر في جرائمه ومجازره الكبرى ضد الشعب الفلسطيني؛ وهي جرائم ضد الإنسانية؛ وسيكون كل ذلك إساءة بالغة للضمير الإنساني العالمي؛ وعلى عجزه في أن يضع كيان العصابات في قفص الإتهام والمحاكمة التي يستحقها.