الأربعاء , 12 مارس 2025
الباب الذي لا يُفتح إلا بالمزاج..By -Kima Al-Saadi-
لطالما كنت أعتقد أن الأبواب مجرد ألواح من الخشب أو الحديد، تؤدي وظيفتها بوضوح شديد إما أن تُفتح، أو تُغلق لكن مع الوقت اكتشفت أن هناك فئة خاصة من الأبواب تمتلك شخصية مستقلة، ومزاجاً متقلباً وأجندة خفية لا يعلمها أحد..
لسوء حظي وأحد من هذه الأبواب كان باب مكتبي في الصباح عندما أصل إلى العمل وأنا مثقلة بالقهوة والنعاس
أقف أمامه متوسلة أن ينفتح بسهولة لكنه يقرر فجأة أن يكون عنيداً أضع المفتاح أدرّه بحذر أجرّب كل الزوايا الممكنة لكنه يرفض الاستجابة وكأنه يقول لي:
“لن أسمح لك بدخول هذا الجحيم قبل أن تثبتي ولاءك لي”
أحاول التفاوض معه أتنهد أنظر حولي لأتأكد أن لا أحد يراقب ثم أبدأ بهز المقبض وكأني ساحرة تحاول تفعيل تعويذة قديمة
لكن الباب كعادته يظل ثابتاً متجاهلاً وجودي وجهودي يحب الدراما أما أنا فأعيشها إلى أن يقرر فجأة – ومن دون مقدمات – أن ينفتح دفعة واحدة كأنه يسخر مني يقول : “أوه، كنت بس أختبرك”لكن المعاناة الحقيقية لا تكمن في الباب وحده..هناك الكرسي الذي يبدو وكأنه مدرب لياقة سري مصنوع خصيصاً لجعل الجلوس براحة مستحيلاً
لا أعلم لماذا؟
لكن مهما حاولت ضبطه ينتهي بي الأمر في وضعية تجعلني أشعر وكأنني في جلسة تأمل إجبارية
مرة ينخفض مرة يرفض الحركة وأحياناً يدور بي بطريقة تشبه تلك الحركات الدرامية التي تفعلها الشخصيات الشريرة في الأفلام الكلاسيكية عندما تستعد للالتفاف للإدلاء بخطاب خطير
وعن جهاز الكمبيوتر الذي يحمل ضغينة شخصية فهو قصة أخرى…
جهاز عتيق يبدو أنه كان شاهداً على الحرب الباردة يشتغل حين يريد وبالسرعة التي تناسب مزاجه
أضغط على زر التشغيل ..أنتظر… أنتظر… وانتظر
ثم بعد دقيقتين من التفكير العميق تظهر لي شاشة سوداء وكأنها تسألني:
” أنتِ متأكدة أنِك تشتينا نشتغل اليوم؟”
كل الأجهزة في المكتب تعاني لكن جهاز الكمبيوتر الخاص بي يبدو أنه يحمل ثأراً شخصياً ضدي كلما حاولت أن أفتح ملفاً مهماً يظهر لي الشريط الأزرق اللعين الذي يحمل رسالة عبثية
وهنا يأتي المشهد السينمائي الأهم…
المدير ذو التوقيت المثالي
كل شيء يسير على ما يرام إلى أن يدخل المدير لسببٍ ما
لديه موهبة خارقة في الظهور في اللحظة الوحيدة التي أقرر أن أخذ استراحة قصيرة
يمكنك أن تقضي أربع ساعات وأنت تعمل بتركيز لكنه سيختار اللحظة التي تشرب فيها القهوة أو تحدّق في السقف مفكراً في ماهية الوجود الإنساني والإجابة عن سؤال لماذا نحن هنا ليظهر فجأة من العدم ويسألك؟ :
“مشغولين ها ؟!
وفي هذه اللحظة بالذات الكمبيوتر يقرر أن يزيد الطين بلّة
بعد أن أمضى ساعتين متجمّداً، فجأة يستعيد وعيه ويفتح 37 نافذة في نفس الوقت ليبدأ إصدار أصوات إلكترونية عشوائية وكأنه يحتضر تحت التعذيب أحاول التصرف وكأن الأمور تحت السيطرة لكني أعلم جيداً أنني في ورطة
تم تأتي الطابعة التي تعاني من اكتئاب موسمي مثلي في فصل الخريف
هذه الآلة ليست مجرد أداة للطباعة بل كائن حساس يحتاج إلى اهتمام نفسي.أحياناً ترفض الطباعة لمجرد أني نظرت إليها بطريقة لم تعجبها عندما اكون في أمسّ الحاجة إليها، تخرج لي ورقة بيضاء كأنها تقول :
” أني مش قادرة اليوم اشتغل ممكن تطبعي بكرة؟!
أما عندما لا أحتاجها فإنها تطبع تلقائياً كل التقارير القديمة التي حاولت طباعتها في الأسابيع الماضية وترفض التوقف مهما حاولت إقناعها
“يبدو أنك في عجلة من أمرك… خلينا نأخذ وقتنا”
أما عندما أكون على وشك تسليم تقرير مصيري ينهار الجهاز بالكامل وكأنه قرر الاستقالة من الحياة الإلكترونية قبل أن تستقيل أعصابي مني ..الزميل الخبير في كل شيء (إلا عمله)
في كل مكتب على هذا الكوكب هناك دائماً ذلك الزميل الذي يعرف كل شيء عن كل شيء، بدءاً من الاقتصاد العالمي وانهيار وتضخم العملة وانتهاءٍ بـ كيفية صنع القهوة المثالية لكنه نادراً ما يكون لديه إجابة عندما تحتاج منه شيئاً يتعلق بعمله الفعلي
“يا فلان كيف أطلع التقرير السنوي؟”
“اممم… والله النظام عندنا معقد شوية… لازم تدخل على ملف إكسل بس قبلها لازم تمرر الطلب للإدارة… بس ممكن النظام يكون معطل… جرب تسأل حد ثاني؟”
أنا حقاً لا أعلم كيف يمتلك هذا الشخص إجابة لكل شيء عدا الشيء الوحيد الذي يُفترض أن يعرفه بالفعل ( عمله ) !
#اجتماع الطوارئ العظيم!
عبارة “عندنا اجتماع طارئ الان !”
أصبحت مصدراً للرعب الحقيقي أول ما أسمعها، ابدأ بحياكة السيناريوهات السوداء وتتزاحم في رأسي قصص كارثية: هل هناك إفلاس مالي؟ هل سيتم تسريح الموظفين؟ هل سقط السقف على الإدارة؟
لكني أدخل الاجتماع وأكتشف أن حالة الطوارئ هي… اختيار لون جديد للمراسلات الرسمية أو إعادة ترتيب المكاتب في القاعة الفارغة !!
وفي اللحظة الأخيرة
وبعد يوم طويل من هذه الملحمة، أصل إلى باب المكتب، أنظر إليه وأتمتم:
“أرجوك على الأقل لا تعاندني الآن… خليني اخرج بسلام ”
لكن الباب بنظرته الساخرة كعادته ينفتح بسهولة هذه المرة، وكأنه يقول لي:
“اليوم كنت أختبرك فقط… لكن انتظري، غداً سأرفع مستوى التحدي!”
في تلك اللحظة أشعر أن حياتي المهنية عبارة عن فيلم كوميدي غير مكتمل السيناريو كل شيء حولي يتآمر ضدي بطريقة غير منطقية وأنا العالقة وسط هذي الفوضى
أحاول أن أبقى على قيد العمل والعقل معاً
By -Kima Al-Saadi-
مارس 10, 2025
مارس 10, 2025
مارس 8, 2025
مارس 8, 2025