الأربعاء , 25 ديسمبر 2024
_الرأي السقطري_متابعات:
خلصت ورقة سياسات إلى أنّ جنوب اليمن يمتلك «نسبيا» مقومّات قيام دولة مستقلة لكنها قد تواجه عدة تحديات، داعية صنّاع القرار الدوليين بعدم ربط مسألة استقرار اليمن بالوحدة بين الجنوب والشمال، أو الاعتماد في مفاهيمهم على سرديات قديمة متعلقة بها، اختلفت ظروفها وسياقاتها بعد الحرب الأهلية في اليمن منذ 2014.
وناقشت ورقة سياسات أصدرها مركز سوث24 للأخبار والدراسات، الإثنين، بشكل خاص واقع جنوب اليمن بعد 2015، وطرحت تساؤلاً رئيسياً مهماً؛ عمّا إذا كان هناك إمكانية لقيام دولة جنوبية، في ظل المعطيات الراهنة وتحولاتها الديناميكية على الأرض.
وقالت الورقة التي أعدتها الباحثة البارزة فريدة أحمد، أنّه وبعد مرور خمسة عشر عاماً على نشوء الحراك الجنوبي، مازال الجنوبيون يطرحون نفس الأفكار والرؤى بشأن إيجاد حل لأزمة الوحدة اليمنية الموقّعة في عام 1990. وعلى رأس هذه الأطروحات «الاستقلال» عن الشمال، لا سيّما في ضوء الواقع السياسي والعسكري الذي يعيشه جنوب اليمن، اليوم، والاستحقاقات التي حصل عليها الجنوبيون بعد عام 2015.
إلا أنّ الورقة، قالت، إنّ «بعض الجهات الدولية والإقليمية والمحلية، مازالت تتجنب التعاطي مع هذا النوع من الخيارات، في محاولة لخلق مقاربات لحلول بديلة قد لا تتلاءم مع الواقع الحالي.»
ووفقا للورقة التي تكونت من خمسين صفحة فإنّ «منطقة جنوب شبه الجزيرة العربية لم تشهد استقراراً منذ دخول اليمنين الشمالي والجنوبي في وحدة عام 1990، إذ عانت من صراعات مستمرة بدءاً من حرب 1994 إلى حروب صعدة الستة، وصولاً إلى الحرب الأهلية الأخيرة في 2014. وقد لعبت القوى السياسية والعسكرية اليمنية فيها دوراً سلبياً في مختلف المراحل، وساهمت في رسم خريطة المشهد اليمني بصورة معقّدة ومتشعبة.»
واستعرض الجزء الأول من الورقة، خلفية شاملة وموجزة عن المشهد السياسي لفهم أوسع عن الحالة اليمنية منذ إعلان الوحدة عام 1990، وما تلا ذلك من تطور دراماتيكي للأحداث وبالذات جنوباً؛ وصولاً إلى الوضع الراهن. كما ناقش الجزء الثاني، مفاهيم عامة عن الدولة وماهيّتها ومقوماتها وعناصرها الأساسية لفهم أوسع عن تكوينها. أما الجزء الثالث، فتناول المقوّمات التي يمتلكها الجنوبيون في الوقت الحالي وإذا ما كانت كافية لقيام دولة.
كما استعرضت قدرات «القوات المسلّحة الجنوبية، والرافعة السياسية، والكادر الوظيفي الجنوبي والسلك الدبلوماسي، والنقابات والهيئات الجنوبية، وأخيراً الجاليات الجنوبية. وقد اعتمدت الورقة في بعض فقراتها على مقابلات أجرتها الباحثة مع مجموعة من الخبراء والمحللين.»
وقالت الورقة إنّ العناصر أو المقومات العامة المطلوبة لقيام أي دولة (الشعب والأرض والحكومة) تحقّقت نسبياً في جنوب اليمن، إذا ما استثنينا منها العنصر الرابع المتعلق بـ (السيادة)، والغائب حالياً بسبب الفصل السابع الذي أقرّه مجلس الأمن بسبب تهديد السلم والإخلال به في اليمن منذ بدء الصراع فيها. وذلك عبر قرارمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216، المتخذ في 14 إبريل 2015.
وبالإضافة إلى ذلك، تشكّل عوامل الطبيعة والمساحة الجغرافية الواسعة التي تقدر بحوالي 360 ألف كيلو متر مربع، والموقع الاستراتيجي المطل على باب المندب، والثروات النفطية والغازية، إضافة إلى الثروات الزراعية والسمكية والموارد المعدنية والصناعية وغيرها، أهمية استراتيجية وميزة إضافية أخرى إلى جانب المقوّمات التي يتمتع بها جنوب اليمن.
وحاولت الورقة فتح هذا النقاش من أجل ما اعتبرته «تشجيع الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والدولية على دعم الجنوبيين في التعاطي مع الخيارات التي يطرحونها، وأهمها حصولهم على الاستقلال وبناء دولة جنوبية فيدرالية مستقلة عن الشمال، تهيئ لظروف السلام المستدام وتحقق الاستقرار في المنطقة ككل. كما تدعم تحرير الشمال واستقراره.»
وقالت الورقة أنه «سيصبح من المهم البدء بوضع مقاربات أكثر منطقية للتعامل مع الواقع، عبر اتباع سياسات منفتحة على كل الحلول والاحتمالات، دون التقيّد بمفاهيم تقليدية وثابتة في مسألة أزمة الوحدة بين الدولتين في الشمال والجنوب، وهو أمر بحاجة لإرادة دولية وإقليمية وقبل ذلك إرادة محلية لإحداث هذا التغيير.»
توصيات
وقدمت الورقة جملة من التوصيات التي خلصت إليها:
أولاً: إلى الجهات الدولية والإقليمية:
• على صناع القرار الدوليين أن لا يربطوا مسألة استقرار اليمن بالوحدة، أو يعتمدوا في مفاهيمهم على سرديات قديمة متعلقة بها، اختلفت ظروفها وسياقاتها بعد الحرب الأهلية في اليمن منذ 2014.
• إن دعم الجنوبيين في بناء دولة مستقلة، من شأنه إحداث استقرار وأمن في المنطقة، وبدرجة أساسية سيساعد على استقرار الداخل في الشمال والجنوب.
• إن مسألة البحث عن توازن بين القوى اليمنية المحلية، وإن كان على حساب إضعاف أطراف تمتلك قوة سياسية وعسكرية على الأرض كالانتقالي الجنوبي مثلاً، ليس في صالح مشروع استعادة الدولة اليمنية من الحوثيين، وليس في صالح دول الإقليم المناهضة لمشروع إيران في المنطقة.
• من الخطأ أن تظل قضية الجنوب في آخر اهتمامات المسؤولين الدوليين أو الإقليميين، إذ لابد من الاستماع للجنوبيين وفهم قضيتهم وأبعادها السياسية والتاريخية والجغرافية والاقتصادية والاجتماعية بصورة أعمق، ولقاء أكبر عدد من الساسة والخبراء السياسيين والعسكريين والاقتصاديين الجنوبيين ونشطاء المجتمع المدني من الجنسين.
• إن توجيه الاهتمام نحو الصورة الكاملة للمشهد المتأزم وأسبابه وجذوره، مع توفير الدعم المادي والاستراتيجي السياسي للقوى الجنوبية بشكل مباشر وليس عبر قنوات يمنية وسيطة، من شأنه أن يُسهم في تهيئة ظروف مواتية لسلام مستدام في اليمن. كما إن تعزيز دعم المنظمات الدولية بشكل عام للحوار مع الجنوبيين، سيخلق نوعاً من التوازن بين الأطراف اليمنية، ويضمن أن يحصل الجميع على فهم واستماع عادلين.
ستلعب القوى الجنوبية وفي مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي دوراً كبيراً في المحافظة على استقرار مناطق جنوب اليمن، وعلى وجه الخصوص في ملف مكافحة الإرهاب، الذي تفوقت فيه طيلة السنوات الماضية، ومازالت تناهضه بمختلف إمكاناتها الأمنية والعسكرية في شبوة وأبين وحضرموت، الأمر الذي يتطلب تعزيزها بقدرات وبرامج أوسع في هذا الملف.
ثانياً: إلى الجهات المحلية:
• إن استمرار مزيد من الحوارات الجنوبية البينية التي دعا لها المجلس الانتقالي الجنوبي؛ قبل بدء مفاوضات السلام الشاملة المرتقبة مع القوى اليمنية الأخرى، من شأنه تشكيل جبهة وطنية جنوبية، تؤسس لحياة سياسية في جنوب اليمن.
• إن توجيه الدعم لمراكز بحثية جنوبية، يمكن أن يكون عاملاً مساعداً على تغيير وجهة نظر صناع القرار الدوليين في مسألة أزمة الوحدة، والانفتاح على حلول أكثر واقعية.
قد يكون مجدياً أن تحاول القوى الجنوبية تنشيط دورها في الخارج؛ من خلال التواصل مع المنظمات والجهات الدولية بصورة مكثّفة، ذلك قد يساعد في فهم طبيعة وحساسية المسألة الجنوبية وحصول المهتمين بشأنها على كثير من الإجابات الصحيحة.
• يُوصى بتشكيل «اتحاد عام للجاليات الجنوبية»، لسهولة التنسيق والتنظيم بين الجاليات في الخارج، من أجل توحيد الخطاب والرسالة بشأن قضية الجنوب، والعمل على توجيه الكفاءات واللوبيات الجنوبية للتعريف بها عبر السُبل الدبلوماسية السلمية.
• من المهم أن تدرك القوى الشمالية في أنّ تحرير الشمال من الحوثيين مرتبط باستقلال الجنوب، وأن الانسياق وراء دعاوى بعض القوى الشمالية لترسيخ الوحدة في ظل المتغيرات التي شهدها الجنوب يدعم بقاء الشمال تحت سيطرة الحوثيين.
• أصبح ترتيب أولويات القوى السياسية والعسكرية بين قضيّتي الدفاع عن الوحدة وتحرير الشمال من الحوثيين أمراً مهماً، فالقضيتان باتتا متضادتين ولا يمكن الجمع بينهما، فأولوية الدفاع عن الوحدة تعني بالضرورة تسليم الشمال للحوثيين واستمراره في محاولة ضم الجنوب، أما أولوية تحرير الشمال فتعني بالضرورة الإقرار بحق شعب الجنوب بإرساء خياراته على أرضه.
ديسمبر 23, 2024
ديسمبر 23, 2024
ديسمبر 23, 2024
ديسمبر 22, 2024