الخميس , 26 ديسمبر 2024
سقطرى-الرأي السقطري-:
كتب /سالم غانم السقطري
تخيل نفسك بمعزلك في أعالي مرتفعات “روكب دفرمهين”حيث اخر غابة أشجار دم الأخوين في الكرة الأرضية . لا شيء يزعجك سوا زقزقة اصوات مختلفة لطيور نادرة تتقافز من غصن إلى غصن فوق شجر دم الأخوين ، في ذاك العصر كنت أنا لحالي تاركاً السياح البريطانيين النباتيين في المخيم مع كتبهم وعينات نباتات جمعوها ليتدارسوها ، أخذت الإذن لتفسح في الغابة لبعض الوقت . هرعت إلى قمة فرمهين عند اكبر شجرة اعريهب ربضت بوضعية ” اللوتس” كم يفعل بوذا العظيم أسندت ظهري على جذعها العتيق . طفت بنظري حول المكان، مساحة مسطحة تمتد أمامي مكتظة بأشجار الدم الأخوين ونباتات عطرية نادرة ، تحتي وادي” دٍرهور ” أخدود سقطرى العظيم في منحدرات ضيفتي تنمو أشجار سقطرية نادرة “كرتب ، إسفد، طيف، دريفان وشجيرات دم الأخوين اختبت من الرعي الجائر . اسفل الاخدود برك مائية تعكس منظر الوادي للقادمين من العقبة. فوقي في سماء الله تحلق “نهيمة” صقر سقطرى النادر بحرية مطلقة، ناظراً إليه متمنياً يكون لي جناحين أطير بحرية واستطلع الغابة من السماء . لوحدي في القمة متأملا ً كل الأشياء من حولي وكأني أراها لأول مرة في حياتي ،وانا الذي أرشد السياح للغابة لمرات عديدة . شعور غريب اناتبني ، غمضت عيني وشرعت بالصلاة الصمت داعياً الله أن يحفظ هذا الجمال والتنوع الحيوي الفريد وينعم علينا بالسلام والأمان. فجأة اختفت اصوات العصافير نظرت لساعتي أدركت توقيت الإنجليز يداهمني ، بطاقة إيجابية ركضت إلى المخيم ، من بعيد تظهر خيام “إيكو تورز” منتصبة في ساحة المخيم أتقن الخياط صنعها بشكل شجرة اعرهيب وجدتهم معتكفين على العينات النباتات فوق الطاولة تحت شجرة اعرهيب .
– حيّاني إيان مدير المجموعة : هاي قد أتيت . . اين كنت ؟
– رديت مازحاً : كنت أعمل ميديتيشن ” يوجا”
– واو . . أجمل مكان في الكرة الأرضية لليوجا!
سحبت الكرسي جلست بين الإنجليز تحت الشجرة اقص عليهم اساطير الشجرة المقدسة “اعرهيب” وكيف كان أسلافنا يعالجون بقطرات دمها المتيبسة امراضهم . وكيف كانوا حريصين على الإستفادة من أغصانها لصناعة ادواتهم المنزلية من حصير وأحبال . ومن جذعها الميت المجواف يصنعون الطبول و “جبوح” بيوت النحل. أيضاً النساء إلى هذه اللحظة يستخدمن بودرة دم الأخوين لتنظيف وتجميل بشرتهن . ينصتون ينظرون إلي منبهرين بكل كلمة اقولها ، وبعضهم كانوا حريصين على كتابة كل هذه المعلومات في ملاحظاتهم ، من حيث خيمة المطبخ الطبّاخ”كوك” إيكو تورز المميز ابو سعيد يأشر لي بيديه الشاي والسناكس جاهز .ولكي اعدهم لشاي قفلت الشرح بعبارة :
ولتهضيم هذه المعلومات في اذهانكم ، حان الآن وقت الشاي المركٌز .
ضحك الجميع . . نعم انت على حق . دقائق إلا وبو سعيد وعبدالله علي حاملين دلات شاي وصينيات سناكس ووضعوها بكل حنان على الطاولة. زمان كان عندي اعتقاد جازم أن نحن السقاطرى اكبر شعوب العالم تسكر شاي ، آسف ، تشرب شاي ! ولكن بعد معايشتي البريطانيين لاحظت أنهم اكبر سكارى الشاي في العالم .
بعد وجبة عشاء دسمة متنوعة. جهّز طاقم إيكو تورز موقد نار جميل في وسط ساحة المخيم دعيت الجميع إلى الموقد وجلسنا بشكل دائري حوله منتظرين عيسى الذي اتفقت معه في الصباح في بيته أسفل الغابة على مشاركتنا عزف الناي السقطري ” كارب” . على الموعد الإنجليزي ظهر عيسى حاملاً بين إحدى خصرتيه”كارب” قصبة نحاسية ، صافح الجميع ثم عرفتهم بأنه أبرز عازف ناي في سقطرى حالياً وأنه شارك في العديد من المهرجانات في الجزيرة. بثقة عالية تربع بين طاقم “إيكو تورز” عند الموقد وأخرج آلته من خصرته تحت المعوز وبدأ بمقطوعة البدوية الحزينة “المعزة الشاردة”. على النغمات الحزينة وأضواء نجوم كثير في السماء نردد بداخلنا المقطوعة الحزينة وكل واحد منا يبني لها كلمات التي تناسب أحزانه واهآته وأحلامه. انتهى عيسى من العزف صفّق الجميع لهذا الفن الشجي الجميل ، ثم بدأ بوحدة ثانية ثم الأخرى تأسر القلوب حزناً وفرحاً . في تلك الليلة الحنونة قدر هذا البدوي البسيط بعزفه أن يحرك مشاعرنا ويقلب مواجعنا الدفينة. بعد ما ذهب الجميع للنوم بقيت انا ومدير المجموعة والمصورة ماريا نناقش برنامج الأيام المقبلة ، بعد ما انتهينا ، سألت إيان ايش تتمنى في هذه الليلة جاوب :
– لو يحصل . . اتمنى أن يكون لي كوخ في هذه الغابة ومعزتين واعيش بحرية بعيد من ضجيج المدن .
-واو جميل جداً . . وانتي ماريا ايش تتمنين ؟
– ردت الأنثى : اتمنى أن أعيش انا وحبيبي في هذه الغابة منعزلين عن العالم وبعد ما نموت يعملوا لنا قبر جميل مع بعض ومن قطرات دمنا تنمو أشجار دم الأخوين صغيرة ، وكذا تبقى الغابة للأبد.
إيان : انت يا سالم ما قلت لنا ايش تتمنى ؟
-انا . . اتمنى أن تكون لنا قوة غارقة كما التنين الصيني ونبني سور عظيم حول الغابة نحمي الأشجار النادرة ، وأضفت ضاحكاً : ونحمي قبر العاشقين.
– ردت ماريا ضاحكة : واو هذا جميل جداً . . شكراً لك بحجم أشجار الغابة!
– إيان : شكراً لك يا سالم على كل هذا . . وفعلاً هذه الليلة من اجمل الليالي . اعتقد الآن يجب علينا أن ننام لأن بكرة يوم كبيرة .، المشي إلى غابة سكند الشهيرة . توادعنا :
– طابت لليلتك . . احلام سعيدة !
– ولكما أيضاً !
ذهب كل واحد منهما خيمته ، بينما أنا جالس على آخر ضوء جمر الموقد أناجي معزتي الشاردة في” بنجلور” أن تأتي تواسيني وتملأني عطفاً وحناناً. استجاب الله مناجاتي وحضرت الجميلة في حلم جميل في غابة فرمهين.
ديسمبر 24, 2024
ديسمبر 23, 2024
ديسمبر 22, 2024
ديسمبر 21, 2024