السبت , 28 ديسمبر 2024
الرأي السقطري_خاص:
د. وليد ناصر الماس.
في الثالث عشر من يناير من كل عام، يُحيي أبناء الجنوب هذا اليوم، بعد ان حولوه إلى مناسبة عظيمة للتصالح والتسامح، وطي صفحة مريرة من القطيعة بين أبناء بلد واحد، ورفاق عمل في مؤسسات الدولة (مدنية وعسكرية)، قبل ان يكشر الشر عن أنيابه موقعا إياهم في جحيم الفتنة والاقتتال.
كانت تلك الفاجعة البوابة الواسعة لمزيد من الشقاق والفرقة بين الأخوة، ومدخل لمعظم الأخطاء التي تلت ذلك التاريخ المؤسف إلى يومنا هذا.
لقد مثلت أحداث 13 يناير 1986م كارثة عظمى على الدولة القائمة في الجنوب يومها، بما جرته معها من تبعات مؤلمة ومكلفة، إذ تسببت في رحيل قيادات بارزة في مختلف المؤسسات، وأفرغت البلد من الكثير من الكفاءات والخبرات، علاوة عما تركته من جروح غائرة وآثار نفسية عميقة ومخاوف بالغة وانعدام للثقة، دفع الثمن الباهض لتلك الأحداث الأليمة الشعب بكاملة في دمائه وحاضره ومستقبله.
كان البلد في الجنوب بحاجة إلى خطة إنقاذ شاملة، لتجنيبه المزيد من الصراعات مستقبلا، فعلى الرغم من المصاب الجلل كانت هناك أكثر من فرصة سانحة لتضميد الجراح، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فلم يحسن النظام السياسي الحاكم حينها استغلالها، فتعمقت هوة الخلاف، واتسعت الفرقة واستحكم العداء، فوجد المتربصون موطى قدم لهم عندها، فكانت بداية الضياع لهذا البلد، بداية بالدخول المستعجل بالوحدة، مرورا بالحروب الناجمة عن هذا الشكل الخاطى من الاتحادات، وصولا لسقوط البلد برمته في مستنقع الحروب البدائية.
لقد كانت الحاجة ماسة حينذاك لإجراء مصالحة شاملة، والكشف عن الأسباب الكامنة وراء هذا الصراع، وإصدار عفو عام لمن لم تثبت تورطهم في قضايا جنائية، وإعادة بناء الجيش والأمن على اعتبارات وطنية بحتة، وصياغة دستور جديد ونظام حكم للبلد يضمن مشاركة الجميع، وأجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية تساهم في تحسين وضع السكان معيشيا، وإطلاق خطة وطنية عاجلة لمعالجة مختلف الآثار الناجمة عن الأزمات والاحتقانات التي شهدها البلد الجنوبي منذ الاستقلال الوطني وجبر الأضرار المترتبة عن تلك الممارسات، غير إن النظام السياسي الحاكم يوم ذاك أغلق أبواب الحل، وسلك مسار تعميق أبعاد الأزمة وزيادة إنكاء الجراح، غير مدرك لخطورة ذلك الفعل فكانت الكوارث متلاحقة.
ولنا في الصراعات التي حدثت من حولنا أبلغ العبر، أشعلت المانيا النازية حربا عالمية دامت نحو سبع سنوات، تورطت فيها معظم الدول العظمى، وقتل فيها ما يزيد عن خمسين مليون إنسان، انتهت الحرب العالمية بهزيمة ساحقة للنازيين، واجتاحت جيوش الحلفاء كامل المانيا، ولأن المنتصر في الحرب العظمى يفكر بعقلية الإنسان الحديث، لم تتخذ القوى المنتصرة قرارا بالثأر من الشعب الالماني، أو بتدمير ما تبقى لالمانيا من بُنى تحتية، بل أُرسلت رسائل تطمينية للألمان، فأُقيمت محاكم عادلة لمحاكمة المتسببين في هذه الحرب من كبار القادة السياسيين والعسكريين، ومن ثُبت تورطهم في أعمال قتل وإبادة من كبار القادة والضباط، ثم لحق ذلك قرار بالعفو العام، كما أُجريت أبحاث ودراسات مستفيضة للكشف عن جذور الأزمة ودوافع النزعة العدائية والعنصرية التي كرسها النازيون، إذ وجد إن هناك بعض النظريات الخاطئة التي تغالي في موضوع الفوارق بين البشر (شعوب وأمم)، فرفضت هذه النظريات وأُثبت عكسها، وأجريت تعديلات واسعة على المناهج التعليمية ومختلف وسائل الإعلام، وهكذا عادت المانيا إلى حاضنتها الأوروبية متعايشة مع جوارها، لتصبح في غضون عقود قليلة من كبريات دول العالم اقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا.
ديسمبر 27, 2024
ديسمبر 10, 2024
ديسمبر 9, 2024
ديسمبر 5, 2024